كلمة في الأذن الفلسطينية

بقلم: طارق حجِّي
 


 

أمطرني "صديقي نصف العاقل" بسيلٍ من الأسئلةِ:

- قال: لماذا لا يكتب قلمٌ واحدٌ في البلادِ العربيةِ عن سيناريو يفترض أن العربَ في سنة 1947 قد وافقوا على قرار الأمم المتحدة بتقسيمِ فلسطين إلى دولتين: دولة عربية (فلسطين) ودولة يهودية (إسرائيل)؟.. وماذا كانت أحوالُنا ستبدو عليه الآن لو أن هذا هو ما حدث؟ وهل نحن لم نفعل إلاَّ ما حذرنا منه "إسماعيل صدقي" في سنة 1947 عندما قال أنه يخشى أن يكون مصيرُنا هو مصير من يضيّع الممكن ويظل يطلب المستحيل؟!

- ثم ألقى سؤَاله الثاني على الفورِ: إن الإخوانَ المسلمين يتزعمون دائماً منهج المقاومة المسلحة-وهذا ما فعلوه في مايو 1948-فلماذا لا يحلل لنا مؤَرخٌ منصفٌ مثل الدكتور عبد العظيم رمضان أو الدكتور يونان لبيب رزق حقيقةَ "تحرك الإخوان المسلمين" المسلح سنة 1948 ونتائجه؟ حتى نأخذ ذلك في إعتبارنا عندما يحدثوننا اليوم بنفس المنطق؟ ونكون على بينةٍ من النتائج المبهرة لأقوالهم والآثار الرائعة التي ستعود علينا من جراء حماسهم؟؟

- وقبل أن ألتقط أنفاسي ألقى سؤاله الثالث: هل تدرك أننا لو إسترجعنا اليوم الجولان ومزارع شبعة والضفة الغربية والقدس الشرقية-فإن ذلك لا يعني إلا أننا أصلحنا خسائر ستة أيام سوداء في شهر يونية 1967؟ ناهيك عن الواقع المر الذي خلقته السنوات السبع وثلاثون على مسرح منطقتنا.

- وكأنه "آلةُ أسئلةٍ" أفرز رابع أسئلته على الفور: لماذا لا يحاول كاتبٌ أو مفكرٌ أن يوضح ما كان سيحدث لو إستجاب الفلسطينيون والسوريون لدعوةِ الرئيس السادات لهم للمشاركةِ في مفاوضاته مع الإسرائيليين منذ ربع قرنٍ من الزمان؟… وماذا كان سيحدث لو أن ما تم التوصل إليه (من حيث المبدأ) في طابا منذ أربعين شهراً قد تم قبوله من ياسر عرفات والقيادة الفلسطينية؟. وهل ما رفضه ياسر عرفات يومئذ أفضل أم خارطة الطريق؟ وإذا كانت الأمورُ المعروضة في طابا يومذآك أفضل من خارطةِ الطريق، فمن سوف يُحَاسَبْ على ذلك الإهدار (الإهدار للأرواح والدماء والمصالح والوقت)… أم أن أحداً غير مسئول في واقعنا العربي؟

وبينما أُحاول البدء في الإجابةِ عن فيضانِ أسئلته، ألقى سؤالاً خامساً لا علاقة له بالعقل والإتزان (!) عندما قال: ما رأيك في البرنامج التالي:

أولاً: يتم إقناع ياسر عرفات بأن يقوم بتعيين محمود عباس (أبو مازن) رئيساً للوزراء ويفوضه في معظم سلطاته.

ثانياً: يُعلن ياسر عرفات إدانته "للإستعمال العشوائي للعنف من الجانبيين الإسرائيلي والفلسطيني" أي إستهداف المدنيين-ويصارح شعبه بأن العمليات الإنتحارية قد أدت لتدهورٍ كبيرٍ في أوضاع وحياة الإسرائيليين والفلسطينيين – وأنه من جهته يطالب "الجهاد" و"حماس" و"كتائب الأقصى" بالتوقف التام عن أي هجوم على المدنيين.

ثالثاً: بعد أسبوعين أو ثلاثة من الإجراءين السابقين يُعلن ياسر عرفات عن ضرورة سفره للقاهرة (لأسباب صحية) ويكلف محمود عباس (أبا مازن) بكل سلطاته – ويأتي لمصر على أساس أن تمتد إقامته بها لفترةٍ طويلةٍ – حتى يشفيه اللهُ من كل ما به من أَسقام.

رابعاً: يقوم أبو مازن بإستئنافِ المفاوضات مع الإسرائيليين بهدفِ تطبيق خارطة الطريق-وربما العودة لما كان قد تم التوصل إليه في طابا في أواخر فترة رئاسة كلينتون

خامساً: تشرف مصرُ على هذه الخطة برمتها وتحيط الولايات المتحدة بها بحيث تصبح الولايات المتحدة وإسرائيل على علم أن هذه الخطة لتحقيق السلام هي خطة مصرية تماماً… بل خطة لا تقدر عليها إلا مصر.

سادساً: مع تقدم المفاوضات الفلسطينية/الإسرائيلية تُعلن مصر أنه بمجرد الوصول لإتفاق يرضي الطرفين – فإن مصرَ ستقود المنطقة ثقافياً وإعلامياً لمُناخٍ عامٍ جديدٍ هو مُناخ ثقافة السلام…

قال ذلك … ثم أضاف: نعم!.. (ثقافة السلام) التي كتبت أنت عنها منذ سنوات فهاجمك المفكر الكبير "س.ي"… ولكن عندما قامت القيادة السياسية في مصرَ (بحكمةٍ وبعدِ نظرٍ) بتكوين منظمة لثقافة السلام، فإن المفكر الكبير لزم الصمت وعمل بمبدأ التقية… ومن يدري، فقد يصبح في المستقبل عرَّاباً لثقافة السلام-فتلك هي شيم "المثقفين الموظفين"!!… قال ذلك ثم أردف: هل رأيت تناقضاً فلسفياً ولغوياً أكبر من التناقض الكامن بين "مفهوم المثقف" و"مفهوم الموظف"!… ثم رفع صوته قائلاً بسخرية: "رحم الله "سارتر" الذي كان دائماً يُكرر أنه لا يليق بالمثقف أن يكون مؤيداً!!" (أي ألاَّ يكون موظفاً!!).

ألقى صديقي نصف العاقل بسؤَاله الأخير… وإنصرف عملاً بمقولته التي لا يفتأ يكررها: "الأسئلةُ مبصرةٌ… والأجوبةُ عمياءٌ!!".

ونظراً لأن السيد/ ياسر عرفات أقدر مني على الإجابة عن هذه الأسئلة، فإنني آمل أن يُطالع هذا المقال ويتفضل بالإجابةِ عن هذه الأسئلة السهلة (!!) وعن سؤَال آخر سمعته من "ربع عاقل" منذ أيام.. إذ قال لي: لقد كانت الإنتفاضةُ الفلسطينية الأولى (في الثمانينيات) محطَ إعجابِ العالمِ بأسرِه لخلوها من العنفِ العشوائي الذي يستهدف المدنيين… أما هذه الإنتفاضة فهناك من يؤيدها وهناك من يرفض ما تخللها من عنف وُجِّه للمدنيين… ولكن لنفرض (جدلاً) أن الإنتفاضة الحالية ستؤدي لنتائج أفضل مما كان من الممكن الوصول له في يناير 2001-فماذا سيفعل ياسر عرفات بعدها مع "العضلات" التي نمت خلال الفترة من سبتمبر 2000 وحتى الآن وأصبح أصحابها يرفضون (في إجتماعات القاهرة) تفويضه في الأمر (!!)… ماذا سيفعل السيد عرفات (بعد النصر الكبير إن شاء الله) مع المارد الذي أطلقه (كما أطلق الرئيس السادات مارداً مشابهاً في سبعينيات القرن الماضي)؟!!. أم أن هذه هي هديته المقصودة للأجيال القادمة في فلسطين وكل المنطقة؟!