القدوة .. القدوة .. القدوة ..

 

في صباح يوم الخميس 16 يونيه الماضي أستقبل رئيس دولة غير عادية بالشرق الأوسط كاتب هذه السطور في لقاء استمر لأقل قليلاً من ساعتين ..

 

وخلال الحوار سأل رئيس الدولة (وهو رجل محنك كان من غلاة المتشددين وبعد وفاة ابنه الوحيد ومعرفته بالرئيس المصري الراحل العظيم "أنور السادات" وإعجابه البالغ به وبحكمته وثاقب نظره تحول إلى النقيض) ..

 

أقول خلال الحوار سأل رئيس الدولة كاتب هذه السطور قائلاً: قد تكون أحد المصريين القلائل الذين رأسوا ولا يزالون يرأسون أعداداً كبيرة من الأجانب على أعلى درجات العلم ولامعرفة والتكوين ، فهم صفوة خريجي كبريات الجامعات العالمية ، فكيف تلخص الفرق بين مرءوسيك الأجانب ومرءوسيك المصريين؟

 

قلت له: لقد أثبتت لي تجربة رئاستي لمئات الأجانب (الصفوة) خلال السنوات الست الماضية أن مصر عامرة بنماذج أفضل من معظم الأجانب الذين عملوا معي ومن الذين عملت معهم خلال السنوات العشر التي سبقت شغلي لمنصبي الحالي ، وأن نصيب الجنسيات المختلفة من الذكاء شبه متماثل ، وإن كان أذكياء مجتمعنا أحدّ ذكاء من نظرائهم الغربيين ، وذلك لما واجهه هؤلاء الأذكياء (عندنا) من صعوبات في حياتهم شحذت هممهم وقدحت قرائحهم وجعلت "حد" ذكائهم "قاطعاً" كسيف بتار!

 

أما التعليم ، فصدقني أن الفارق ليس بالإتساع إلى يعتقده البعض. وأما الثقافة العامة ، فإن "متوسط" ثقافة الغربيين أعلى بكثير من "متوسط" ثقافة زملائي الوطنيين .. ومرجع ذلك للمناخ العام وليس لتميز أفراد جانب وتخلف أفراد الجانب الآخر.

 

قاطعني الرجل المحنك الذي أصبح رئيساً لبلده من فترة غير طويلة متسائلاً: وبم تعلل تقدم جانب على الآخر بشكل واضح وكبير؟

 

قلت: بمناخ العمل والقيم التي تثبت في بيئة العمل ، وهذه هي مسئولية المديرين والرؤساء في كل وحدة من وحدات العمل والإنتاج بل وفي كل إدارة وقسم وشركة وهيئة ومؤسسة. إن قيم النجاح هي "الإنضباط" و"الشعور بالمسئولية" و"الولاء الشخصي" و"الإتقان" و"توخي الكمال في الآداء" و"النظرة البعيدة للأمام" و"التسلح بالمعلومات الواسعة" من طرف متخذي القرارات.. و"الثقافة الإنسانية الرحبة" .. و"توخي الصالح العام" و"الموضوعية" ..و"العدل" .. كل هذه القيم هي التي تصلح (أو أن غيابها "يفسد") أية شركة أو مؤسسة أو إدارة.

 

إلاِّ أنه من المهم للغاية إبراز أن "قيم الإدارة" الناجحة والفعالة والخلاقة قد تتوفر – بشكل إستثنائي – لبعض "القادة الموهوبين" في أي مجتمع ، غير أن إنتشار وتكرار هذا "النموذج" الهام والضروري لا يمكن أن يتأتى في مجتمع غير تنافسي ، ولا يمكن إنتشار "الروح التنافسية" الخلاقة والمبدعة والتي تدفع بالمجتمعات قدماً على طريق التقدم والإزدهار في ظل نظام إقتصادي لا يلعب فيه القطاع الخاص الدور الأكبر والأبرز والأهم.

 

قال: إذن أنت بالتبعية كلية على عاتق "المدير"؟

 

قلت: نعم .. بل وأبالغ أحياناً وأقول إن نسبة إصابة أي مدير بأي عيب من العيوب تنتقل إلى التنظيم الذي يديره وبنفس النسبة تماماً!

 

قال الرجل الحنك الحكيم: إذن أنت كنت تكرر نفس الفكرة في حديثك أمس بالتليفزيون الـ …… عندما قلت إن "مصر" هي "عقل الشرق الأوسط" وأن هذا العقل عندما هام حباً بالغرب قبل قرن من الزمان ، فإن الشرق صار عامراً بنفس الرغبة والإتجاه .. وعندما إتجهت مصر إتجاهاً قومياً معيناً وإتجاهاً محدداً .. اتبعتها معظم دول الشرق .. وعندما بدل الراحل العظيم أنور السادات "النوتة الموسيقية" .. استنكرت الأغلبية في البداية .. ولكنهم الآن يعزفون على أساس من نفس النوتة!..

 

قلت (وأنا أعرف أنني سأغضبه): هذا بالضبط ما عنيته .. وبقيته أن مصر وحدها (مرة أخرى: وحدها) هي مفتاح منطقة مزدهرة ومستقرة وتمثل من حضارات الماضي والحاضر أجمل ما فيها!