القيـم الإداريـة العصريـة .

 

علومُ الإدارةِ الحديثة وعلومُ إدارةِ المواردِ البشرية هما أهم أدوات التقدم الإقتصادي في عالمنا المعاصر وبهما يمكن تحقيق إنجازاتٍ تقرب من المعجزاتِ ، وبدونهما تضيع مواردٌ وآمالٌ بلا حصرٍ . وأكبرُ عدوٍ لعلوم الإدارة الحديثة وعلوم إدارة الموارد البشرية هو ذلك المواطن السلبي الذي يعشق الوظيفةَ العامة بمفهومها التقليدي الذي ساد عقوداً عديدةً ويتميز تكوينُه بخللٍ كبيرٍ بين (شعورِه بالحقوق) و (شعورِه بالمسئولية) … إلى جانب سلسلةٍ من المثالب الأخرى التي تجيء تتويجاً لثقافةٍ إداريةٍ وأساليبِ عملٍ إداري وجدت تربتها المثلى في النماذج العديدة للتجارب الإقتصادية التي قامت على التخطيط المركزي والقطاع العام وما واكب ذلك في معظمِ الحالاتِ من فقرٍ في التكوين والتدريب وعدم تأصيل التنافسية وغياب الإهتمام بالفعالية .

 

وإذا كانت علومُ الإدارة الحديثة وعلوم إدارة الموارد البشرية ومعها علومُ التسويق العصرية هي "محركات التقدم" القادرة على إحداثِ نهضةٍ في سائرِ مجالاتِ الصناعةِ والزراعةِ العصرية وسائر مجالات الإنتاج (سواء كان المنتج سلعة أو خدمة) فإن لمؤسساتِ التعليم (وهي أهم مؤسسات صنع المستقبل بلا خلاف) دوراً هاماً للغاية في غرسِ بذورِ الثقافة الإدارية العصرية من سنوات التعليم الأولى وخلال مراحله المختلفة بحيث لا يصل الطالبُ لمراحل التعليم العليا إلا وقد تزود بعددٍ من القيم الأساسية التي تمثل حجرَ الأساس بالنسبة للثقافة الإدارية العصرية والتي على أساسٍ منها توضع أدوات وسبل ومناهج وآليات علوم الإدارة الحديثة وعلوم الموارد البشرية وعلوم التسويق العصرية والتي هي – كما أسلفت – قاطرة التقدم الأساسية في عالمنا المعاصر اليوم .

 

وأول القيم التي يجب أن تغرس في عقول الطلاب من سنوات الدراسة الأولى "الإيمان بالقيمة العظمى للموارد البشرية" بمعنى أن يؤمن الإنسان بأن الأمم تكون غنيةً أو فقيرةً بالنظر لقدر ثروتها من الموارد البشرية المتعلمة والمدربة بشكلٍ عصري وبأدوات الإتقان والتميز الحديثة . وأن ذلك أهم بكثير من الموارد الطبيعية التي قد تتوفر ولا يتوفر النجاحُ بسبب هزال الموارد البشرية .

 

وثاني القيم التي لا تقدر مؤسسةٌ من المؤسساتِ أكثر من المؤسسة التعليمية على غرسها في الضمائر والنفوس هي (عالمية المعرفة في كل مجال من مجالات الحياة الإقتصادية) . فقد أصبح من المستحيل تقديم منتج أو خدمة دون معرفةٍ واسعةٍ بالمنتجاتِ والخدمات المشابهةِ في العالم بأسره : كيفاً وتكلفةً وسعراً .

 

وثالث القيم التي بوسع مؤسسة التعليم غرسها بثبات وقوة في العقول والنفوس من سن مبكرة تقديم (الفعالية) عن مفاهيمٍ أخرى تتراجع الآن في العالم مثل مفاهيم السن والأقدمية وعدد السنوات الممضاة في العمل . فالعالمُ بأسره يتحول إلى إهتمامٍ بالغٍ بالفعاليةِ وأدوات تنميتها وترقيتها وإكسابها أبعاداً عديدة تضيف إلى ثرائها ومردوداتها .

 

ومن هذه القيم الهامة التي لا أتوقف عن ذكر أن مؤسسةَ التعليمِ هي الأقدر على تثبيتها وتنميتها في العقولِ وبناءِ الشخصيةِ (قيمة العمل الجماعي) و(روح الفريق) بصفتهما من أكبرِ مصادرِ إثراءِ العملِ والإنتاجية والأداء في كل مناحي الحياة الإقتصادية . ولا يوجد أي دليل علمي على وجود شعوب ذات ميل طبيعي (بالحتمية البيولوجية) للعمل الجماعي وإنما هناك أدلة علمية على وجود "ثقافات" تحض على العمل الجماعي أكثر من غيرها . وأياً كان موضعنا فإن المهمة قابلة للتحقيق مهما كنا بعيدين (لأسباب ثقافية) عن العمل الجماعي وذلك من خلال بناء هذا البعد في الشخصية المصرية من خلال التعليم القادر على تحقيق المعجزات في هذه الجزئية .

 

كذلك من القيم التي يجب العمل على تأصيلها من سن مبكرة (أيضاً من خلال التعليم) ترسيخ القدرة على ممارسة النقد الذاتي ، فبدون قبول واسع للنقد والقدرة على ممارسة النقد الذاتي لا يكون بوسعنا تخريج أجيال قادرة على العمل وفق قواعد إدارة الجودة والتي أساسها "النقد للتجويد" .

 

كذلك جدير بنا أن نعمل على تأصيل (روح التنافسية) في عقول وضمائر التلاميذ والطلاب من سن مبكرة بعد سنوات اضمحلت فيها هذه الروح بسبب بعض الفهم الخاطئ لمعنى المساواة وهو ما شاع في العديد من المجتمعات التي رفعت رايات الإشتراكية طويلاً . فالإنسان التنافسي هو أحد أهم عناصر النجاح الإداري في منظومات الإدارة الحديثة وعلوم الموارد البشرية والتسويق الحديثة .

 

وإلى جوار ذلك ، فإن ترسيخ الإهتمام بالجودة والإتقان وتعظيم الشعور بالمسئولية هي كلها قيم يسهل غرسها في الضمائر خلال سني التعليم فنجد بين أيدينا في نهاية المطاف نماذج بشرية قادرة على التعامل مع أدوات وآليات العصر الإقتصادية بدلاً من (نموذج الموظف العام) الذي عرفناه طويلاً وأصبح عبئاً على الحياة الإقتصادية ، وإن كان هو نفسه ثمرةً لظروفٍ وعناصرٍ موضوعية ، بما يعني أنه (نتيجةٌ) لعواملٍ أخرى عديدة ، وبالتالي فإن إلقاء المسئولية عليه يعتبر تعنتاً يخالف المنطق والحكمة .