ثروت عكاشة : حظ أم كفاح ؟

نشر الأستاذ / مصطفى عبد الله المسئول عن صفحه الأدب بجريدة الأخبار مقالاً بعدد الأخبار الذي صدر يوم الأربعاء 11 إبريل 2007 تحت عنوان (بضربة حظ :ثروت عكاشة مليونيراً).

ولقد أزعجني عنوان المقال - أشد إزعاج - , كما أزعجني نصُ المقال . فالبعد الأول للتكريم الذي لاقاه الدكتور/ ثروت عكاشة (ذلك الهرم المعرفي الكبير) هو "تكريم العمل الشاق والجهد المضني والمثابرة التي قل نظيرها" . لقد أصدر الدكتور ثروت عكاشة أول مؤلفاته منذ أكثر من ستين سنة . وخلال تلك العقود الستة تراكمت إنجازاته الهائلة من فصيل الأعمال التنفيذية إلى فصيل الثمار الفكرية والمعرفية الفذة . خلال تلك السنوات ترجم الدكتور/ ثروت عكاشة من الآداب اليونانية القديمة ومن الآداب الأوروبية الحديثة كما ترجم لجبران خليل جبران وأصدر موسوعة عن تاريخ الفن صدر جزءها الثلاثون منذ سنوات , وهو عمل تقوم به عادة الجامعات وليس مجرد مثقف كبير بمفرده . ولو لم يقم الدكتور/ ثروت عكاشة إلا بما قام به إبان توليه وزارة الثقافة في مصر لكفاه . لقد حضرت حفل تكريم الدكتور/ ثروت عكاشة في أبو ظبي يوم 2 إبريل الجاري وكنت جالساً بين الأستاذ / جمال الغيطاني والدكتور/ ناصر الدين الأسد (وبجوار ولي عهد أبو ظبي) , وتحدثت مع عشرات المثقفين الكبار الذين لم يذكر أحدهم المكافأة المالية للجائزة التي سلط الأستاذ/ مصطفى عبد الله الضوء عليها بشكل مزعج إذ كتب تحت عنوان مفاده أن الدكتور/ ثروت عكاشة أصبح مليونيراً في "ضربة حظ" .وأنا أتعجب كيف يمكن لنا وصف إنسان إشتغل بكفاءة ومثابرة وإرادة فذة لستة عقود ثم يتكلم أحد عن "ضربة حظ" . إننا هنا أمام أمثلة رائعة للإخلاص والثقافة والعلم والإرادة والمثابرة وكلها نواقض ما سماه الأستاذ / مصطفى عبد الله "ضربة حظ" .

إن آخر ما يوصف به رجل مثل نجيب محفوظ أو ثروت عكاشة أنه كان محظوظاً . فالواقع أنهم لم يكونوا كذلك . ولعل القراء يوافقوني على أن عنوان مقال الأستاذ / مصطفى عبد الله ومتنهه يعطي ان القراء بوجه عام والشباب بوجه خاص رسالة سلبية مفادها أن نجاح الدكتور ثروت عكاشة كان ثمرة "ضربة حظ" ، وكان الأ وقع أن يقول كاتب المقال أن الدكتور ثروت عكاشة وإن لم يكن محظوظاً ، فقد نجح بفعل قوانين أخرى أكثر إحتراماً من قوانين الحظ وأعني أنه نجح بقوانين العمل والكفاح والعزم والإرادة والثقافة والعلم والمواصلة والمثابرة . إن هذا ما نريد أن نرسخه في عقول وضمائر المصريين وليس أن نرسخ في عقولهم وضمائرهم أن الناس ينجحون بضربة حظ .

وحتى لو إفترضنا جدلاً أن الدكتور / ثروت عكاشة كان محظوظاً عندما نال التكريم الذي ناله مؤخراً ، أفلا ينطبق عليه ما قاله الأديب الأيرلندي العالمي الفذ جورج برناردشو عن نفسه عندما نال جائزة نوبل بعد أن تجاوز الثمانين ، فقال إن حصولي على جائزة نوبل في هذا السن هو أمر ي شبه إلقاء طوق نجاة لإنسان بعد نجاحه في عبور المحيط الأطلسي بدون طوق نجاة . لقد دا رت كل مؤلفاتي (21 كتاب) حول فكرة التقدم. وأصدرت دار المعارف كتاباً لي بعنوان "قيم التقدم" وإيماني راسخ بأن تقدم الأفراد وتقدم المجتمعات وتقدم الدول هو رهن عوامل موضوعية وليس "ضربات حظ" . لذلك فقد أزعج ت ني للغاية الرسالة التي يبثها المقال إذ أنها عكس الرسالة التي واظبت على التبشير لها وبها في مئات المقالات والعديد من المؤلفات .

وأعتقد أن نشر جريدة "المصري اليوم" لهذا التعليق على مقال الأستاذ / مصطفى عبد الله يعتبر – في ظني – رد إعتبار لوجهة نظر أخرى لم تر في الجوائز التي حصل عليها الدكتور ثروت عكاشة إلا تقديراً لجهد وعرق ومثابرة سنين عديدة ... لا مجرد "ضربة حظ" .