من معالم دولتنا الرخوة !

•  ضاعت على "مصَر" (كالعادةِ) فرصة رائعة لتصويبِ أَخطاءٍ عديدةٍ عندما لم يُصدر (من يملك السلطة) قراراً بفصل الرجل المسئول عن سيلان الفتاوى الغارقة في السطحية والتفاهة والحماقة التي أصدرها وأهمها "فتوى الفضلات" . كان بوسع قرار كهذا أن يصوّب عشرات الأمور ولاسيما لو أعقبه تعيين بديل لفضيلة مفتي الفضلات تُعطى له تعليماتٍ واضحة (يجازي عن مخالفتها بالفصل) بعدم الفتوى خارج إطار المسائل الدينية البحتة . فضيلة صاحب فتوى الفضلات "يعتقد" أن أي حديث ورد بالبخاري هو صحيح بشكل مؤكد وهو أمر غريب . فأبو حنيفة النعمان رفض التعويل على معظم الأحاديث التي قام البخاري بعد ذلك بجمعها في كتاب فيه ستمائة حديث مكرر (!!) ومعظمه "أخبار أحاد" أي أحاديث يرى "بعض الفقهاء" إمكانية رفض حجيتها وبالتالي عدم تأسيس أحكام عليها . هل يسير فضيلة صاحب فتوى الفضلات على هدى أصول الفقه كما تصوره الحنابلة ؟.. لو كان الأمر كذلك لكانت تلك مصيبة كبرى , إذ يعني أن الأزهر الذي وقف على أرضية حنفية/ شافعية قد أصبح حنبلياً في عصر البترودولار/ الوهابي/ الحنبلي !!

 

•  لا أعرف لماذا تجاهلت الصحفُ الحكومية (الأهرام , الأخبار , الجمهورية) الخطاب الذي وجههه البابا شنودة الثالث لرئيس الجمهورية ؟ ولماذا أُشير لهذا الخطاب (في مقال لكاتب مشهور) بأنه (إحدى عظات البابا) . هل نحن على هذا "البعد" من القدرة على مواجهة المشكلات ؟؟؟ لماذا لم يُنشر الخطاب (الجدير بالإحترام والتأييد) في وسائل إعلام الحكومة وتليفزيونها ؟! أم أننا وصلنا في (تأليه الحاكم) لدرجة عدم جواز نشر خطاب موجه له كهذه الرسالة ؟... وكيف تستقيم هذه القدسية مع المبادئ الدستورية الحالية التي لا تسمح بوجود فرد واحد خارج دائرة المساءلة ؟ ...

 

•  إتهم "محمد دحلان" دولة عربية كبرى بعدم إتخاذ مواقف حاسمة بين القوى الفلسطينية المتناحرة . وقال في حديث مع قناة العربية (كفى تعبيرات دبلوماسية من جانب هذه الدولة العربية الكبرى) . وبسبب هذه "المواقف الدبلوماسية" لمهازلستان وترابستان فإن الصراع الفلسطيني/ الفلسطيني سوف يستمر ويحل محل الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي . مع ما في ذلك من إنعكاسٍ بالغ السلبية على واقعنا السياسي في مصر . كيف يكون أي عاقل "محايداً" بين "نظام مدني" و"توجه ثيوقراطي" ؟؟. في وقت نعاني نحن فيه من خطر الثيوقراطية (السياسة المختلطة بالدين) الجامح .

 

•  كانت الصفحةُ الأخيرة في جريدة الأخبار (كل يوم جمعة) لسنواتٍ حكراً على ُكتاَّبٍ ينتمون بشكل مباشر للجماعة المحظورة . وكان آخر هؤلاء الكاتب الظلامي "محمد خرابة" . سنوات والسيد/ خرابة يبث السموم وكأن مؤسسة الأخبار هي المنبر الإعلامي للجماعة المحظورة . ثم تمت تنحيته (إبان موقف كارثي للدكتور الظلامي). وبقدر ما يجب علينا تحية هذه التنحية , فإننا نسأل : كيف ولماذا وبأية مبررات أُعطيت هذه الصفحة لكتاب ظلاميين من (أحمد زين) إلى (السيد/ خرابة) ؟

وسؤال أخير : ماذا فعل الأزهر مع محمد خرابة عندما عرض وحدة مصر الوطنية لصدع خطير ؟... ولماذا لم "توص" الحكومة بفصله من كل مناصبه حتى تكون الواقعة "عبرة" لدعاة الظلام ؟ .

 

•  أثلج صدري أن أرى ضابطاً مارس تعذيب مواطن مصري وهو خلف القضبان . ولما كان التعميم كارثةً , فيجب علينا أن نؤكد أنه لا كل (ولا حتى معظم) الضباط يرتكبون مثل هذا الجرم ... ولا كل الضباط ملائكة . وبالتالي , فإن محاكمة هذا الضابط (وأمثاله) وشاح على صدر المجتمع وليس عورة يخفيها الإعلام الرسمي والصحف المسماة بالقومية (وإسمها الحقيقي : صحف الحكومة) كما حدث عندما تابعنا محاكمة هذا الضابط الضبع على شاشات غير مصرية .

 

 

•  أعجبني للغاية الأستاذ/ عبد الله السناوي (الكاتب القومي العربي الناصري) وهو يدافع عن (أيمن نور) . هذا القدر من الإشتراك بين الجميع في قواسم مشتركة كهذه هو دليل النضج والتحضر السياسي . فرغم إختلاف الأچندة السياسية للسناوي مع أيمن نور – فإن ذلك لم يمنعه (وما كان ينبغي أن يمنعه) من مهاجمة ما يحدث لأيمن نور. بل ويزيد من إحترامنا للأستاذ السناوي , إنه لم يهاجم الولايات المتحدة لدفاعها عن أيمن نور – رغم أنه "عدو فكري" للولايات المتحدة المتحدة بكل ما تعنية هذه العبارة من معان ... متى يشترك "اليساريون" و "الليبراليون" في قواسم مشتركة بينهم لا شك في وجودها ؟

 

•  في محاضرة لي (منذ أيام) أمام تجمع قبطي إنتقدت بشدة "سلبية الأقباط" وعدم إدراكهم لمغبة وعواقب سلبيتهم السياسية . الأقباط والمرأة العصرية يشكلان تكتلاً قوياً وكبيراً يمكنه إحباط تقدم قوى الظلام بالمشاركة في كل الإنتخابات مع "الحرية" وضد "الماضوية" . وجدير بمنظمات المرأة العصرية وبالأقباط العمل على تفعيل مشاركتهم في الحياة السياسية في مصر لصالح "النور" وضد "الظلام" . ويجب عدم إنتظار "مبادرة الدولة" – فالدولة لو كانت قادرة على فعل شيئ في هذا المضمار لفعلته خلال ربع القرن الأخير . الدول الرخوة لا تبادر بشئ كهذا .

 

•  "من الطبيعي أن تكره أمريكا وأن يكره الرئيس بوش إنجازاتنا الإقتصادية العملاقة" رغم أنني أفهم أرسطو وأفلاطون وسبينوزا وكانط وديكارت وهيجل , فإنني لم أفهم هذه "العبارة المبهرة" لكاتب كبير ممتن !... فهل بوسعه أن يشرح "لأمثالي" عبارته العميقة المبهرة التي إستعصت عليَّ ؟! وعلى كثير من "غير الممتنين" ؟

 

•  لا أفهم حقيقة ودوافع ومصادر الصمت في الإعلام المصري عن الجرائم التي تُقترف في إقليم دارفور في حق بشر ذنبهم الوحيد أنهم وإن كانوا مسلمين فإنهم من عرق أفريقي ؟ لم أطالع مقالاً واحداً لكاتب كبير سواء من "الممتنين" أو من "غير الممتنيين" يندد بالصمت العربي تجاه جرائم يندي لها جبين العرب في حق أبناء دارفور من أصول غير عربية . هذا الصمت يشبه عدم وجود مقالات عربية متعاطفة مع أكراد العراق أو بربر شمال أفريقيا أو شيعة المناطق الشرقية من المملكة العربية السعودية وغيرهم من الأقليات في العالم العربي .

 

•  عندما نشرت مقالي "لو كنت قبطياً" هاجمني بعضُ المتأسلمين وكأنه لابد أن أكون ظالماً للأقباط حتى يكتمل إسلامي ؟! ... ومن بعض ما وجهه لي البعضُ هو قولهم أن مقالي كان يشبه صب الزيت على النار؟ ... ولدي سؤالين لهؤلاء : هل يعني ذلك تسليمكم بأن هناك "نار"؟ ... والثاني : لو كان القتلى في الكشح من المسلمين , وكتبت أنا أنقد المهاجمين المسيحيين – هل كنتم ستصفون كتاباتي بأنها بمثابة صب الزيت على النار؟! . أيها الظلاميون أفيقوا . فإننا – جميعاً شركاء في الإنسانية . فإذا كان من حقنا أن نطالب الناس بإحترام عقائدنا , فإن من واجبنا إحترام عقائد الآخرين . إن مجرد حديث بعضنا عن تحريف الكتب المقدسة للأخرين هو بداية تخريبية للحوار . كم كان وطننا عظيماً عندما جمعه سعد زغلول منذ تسعين سنة تحت راية (الدين لله والوطن للجميع) ... وكم أصبح وطننا رخواً وهشاً ومتهالكاً عندما شاعت فيه فتاوى "إرضاع الكبير" و "الفضلات" ! , هل كان يمكن أن يصدر الشيخ "مصطفى عبد الرازق" فتوى فجة من هذا القبيل؟

 

•  خلال الأسابيع القليلة الماضية تذكرت إبن خلدون كثيراً وبالتحديد تفرقته بين (البدو) و(الحضر) . إن ما يسمى بالعالم الإسلامي يعيش اليوم "حقبته البدوية" بكل ما تعنيه الكلمة من معان !... وهم (أي بدو الرمال والنوق والنفط) أحرار , أن يعتزوا ويفتخروا بخلفيتهم البدوية الصحراوية الترابية – ولكننا لا نريد أن يأتوا إلينا (ثقافياً) على صهوة نوقهم المسبوكة في دولارات النفط .

 

•  مصر والمغرب هما (فقط) الدولتان المركزيتان بشكل منتظم لأكثر من خمسين قرناً في حالة مصر ولأكثر من عشرة قرون بالنسبة للمغرب . أما باقي دول المنطقة فأمرها وعهدها بنظام الدولة المركزية حديث للغاية . الجزائر (مثلاً) لم تعرف الدولة المركزية إلا على يد خير الدين بن بربروسة وعروج أشقر اللحية منذ أقل من خمسة قرون . وينطبق ذات القول على كافة الدول التي تتكلم العربية بإستثناء مصر والمغرب . ومن نتائج حداثة عهد المجتمعات العربية بنظام الدولة المركزية قبول العقل العربي لوجود قوى مسلحة غير الدولة وشيوع السلاح خارج يد الدولة والعديد من معالم ظاهرة كارثية حقيقية مؤداها أن الشعوب العربية "قبائل" حديثة العهد بنظام الدولة المركزية والنظام القانوني الذي تشرف على عمله الدولة . لذلك يمكن لمواطن من أصحاب عقلية القبيلة أو الذهنية البدوية أن يتحدث عن أشياء مثل "الصلح بين الجيش اللبناني ومجرمي فتح الإسلام" أو عن "حق حزب الله في شن حرب دون إستشارة الدولة المركزية" أو الصلح بين الفصائل المتقاتلة في الأراضي الفلسطينية – ألم أقل لكم أن مصر والمغرب فقط عرفا نظام الدولة المركزية ؟! أما أصحابنا فيعيشون في زمن "قيس" و "عبس" و "أبي هريرة" (قائد من قادة الفصائل الفلسطينية في لبنان سمي نفسه بأبي هريرة !!) أما نحن فنصيح : أنقذنا يا دكتور أحمد عكاشة ... فأنت أعلم الناس بأن من يسمون أنفسهم "بأبي حفص" و"أبي هريرة" و"معاذ" (في القرن الحادي والعشرين) يحتاجون لتدخل علاجي عاجل بالعقاقير القوية !! .

 

•  رغم أن دستور الدولة يقول أننا دولة مدنية , ورغم أن النظام في حالة حرب حقيقية مع دعاة الدولة الدينية , فإن محاكم مهازلستان تصدر أحكاماً ضد أسس المجتمع وركائزه الدستورية : فمن جهة تخرج علينا محكمة بحكم لا يجيز للمسيحي الذي تحول للإسلام أن يعود مسيحياً (!!!!) وفي يومٍ أسودٍ آخر يجبر أحد القضاة في حكمه (النابت من تكوينه الثقافي والإجتماعي) الجامعة الأمريكية بالقاهرة على السماح للطالبات المنقبات بدخول الجامعة ... وقبل ذلك بسنوات أضحكت محكمة أخرى العالم المتحضر علينا بحكم أوجبت فيه التفرقة بين مفكرٍ جليل وزوجته.

 

كانت هذه مجرد أمثلة (بعدد الحاضرين في العشاء الأخير للسيد المسيح) لمظاهر الدولة الرخوة التي نعيش اليوم في ظلها في مهازلستان (وليس في مصر!) , والتي هي البيئة المثلى لقوى الظلام لترتع وتصول وتجول ...فالخصم إما مغيب أو شبه مغيب إذ أخذته مشاغله "الخاصة" لأمورٍ لا علاقة لها بالمستقبل الآمن والعصري والمتحضر والمزدهر المنشود لهذا الوطن .