هابيل وقايين اللبنانيين.


منذ إنطلقت مبادرة تعديل الدستور المصري والكثير من الحواراتِ والمناقشاتِ والكتاباتِ تدور حول الآمالِ التي أطلقت لها هذه المبادرةُ العنان. وبدوري ساهمتُ في العديدِ من هذه الأنشطة وقلت الكثير على شاشات التليفزيون والفضائيات. ويمكن جمع ما قلته في عشر تعليقات هي كالتالي:

التعليق الأول: إعلان 26 فبراير 2005 بخصوص تعديل نظام إختيار رئيس الجمهورية في مصرَ من (نظام الإستفتاء) إلى (نظام الإقتراع العام المباشر) هو خطوة مهمة على طريقِِ مصرَ للديموقراطيةِ. وفي إعتقادي أن هذا التوجه مع قرار التحول من نظامِ الحزبِ الواحدِ لنظامِ الأحزابِ المتعددةِ (في سبعينيات القرن العشرين) هما أهم قرارين سياسيين في مصرَ خلال نصف القرن الأخير.

التعليق الثاني: أن قرار التحول من (نظام الإستفتاء) لنظام (الإنتخاب من بين أكثر من مرشح) فاق معظم التوقعات.

التعليق الثالث: أن "عظمةَ هذا القرار" تتعلق بأمرين: المبادرة به (وهو ما تم بشكل رائع) وبآليات تنفيذه – وهنا فإن التفاصيل والإجراءات ينبغي أن تكون على مستوى الطموحات والأمنيات الشعبية.

التعليق الرابع: أن أي حديث عن الضغوط الخارجية أو غيرها وربطها بهذا القرار هو من قبيل المراهقة الفكرية ويعكس رغبة في الهدم أكثر من البناء... أو "الكلام من أجل الكلام".

التعليق الخامس: أننا لو لم نربح (في هذه المرحلة) إلا المبدأ – لكان ذلك نجاحاً لا يستهان به. وإن كان الطموح الشعبي يتجاوز مجرد إقرار المبدأ ويأمل في تجربة أولى طيبة. والدليل على ذلك أنه لو خيِّر أي عاقل بين مجرد الحصول على نظام الإنتخاب (بدون مزايا إضافية في هذه المرحلة) وبين الإبقاء على نظام الإستفتاء مع عشرات المزايا – لإختار الأمر الأول.

التعليق السادس: أن التطوير السياسي (ولا أحب كلمة الإصلاح – لأننا درجنا على أن نقول "السجن إصلاح وتهذيب") البطيء للغاية هو أمر ضار، أما التطوير السياسي المتعجل بسرعةٍ غير محسوبةٍ فهو أمرٌ هدَّام والأرجح أن يؤدي للفوضى لا للتطوير.

التعليق السابع: أن سرعة التطوير السياسي الفعَّال هي "بين بين"، وأعني أسرع مما هو حادث وأكثر روية مما تتوخاه المعارضة (الرسمية وغير الرسمية) في مصرَ.

التعليق الثامن: أن تجربة البشرية خلال القرن العشرين أثبتت إستحالة وجود (حرية إقتصادية) بدون (حرية سياسية) وعلينا أن ننظر في تجارب الذين أرادوا تحقيق (حرية إقتصادية) بدون (حرية سياسية) ونتعلم الدروس من هذا النظر.

التعليق التاسع: أن "الديموقراطية" مثل أي نظام في الحياة، لا يمكن أن يكون بلا قواعد وضوابط. فكما أني لا أستطيع أن أكون عازفاً في أوركسترا موسيقية دون إلتزامي بقواعد العزف من جهة، وبدون القدرة على العزف مع آخرين من جهةٍ أخرى – فإن للديموقراطية قواعد وضوابط لا يمكن ممارسة الديموقراطية بدونها.

التعليق العاشر: أول ضوابط الديموقراطية "إحترام الدستور" – وبالتالي، فإن أي فكر سياسي نعرف أنه سيبدل دستورنا العصري بدستور آخر يُستحضر من الماضي القريب أو من الماضي البعيد هو بمثابة العزف الشاذ خارج الجوقة. كذلك، فإن أيّ فكرٍ سياسي يخالف أن (الوطن هو مصر) وأن (الأمة) هي (الأمة المصرية) وأن (المرأة مساوية بشكل كامل للرجل) وأن المواطنة لا تقوم على دين أو مذهب أو طائفة... وأن مصرَ لأبنائها وبناتها من الرجال والنساء والمسلمين والمسيحيين وغير ذلك على السواء. أن أي فكر سياسي يخالف ذلك هو أيضاً من قبيل العزف الشاذ خارج الجوقة. وأخيراً فإن نظامنا السياسي يقوم على ضميرنا الوطني الذي أُسسَ على أن الأمة هي مصدر السلطات وأن قوانيننا الوضعية ليست بحاجة لإستبدالها بنظم أخرى (لأنها لا تتعارض مع روح وجوهر ومبادئ أية مرجعية أخرى). وكل فكر سياسي يخالف ذلك هو (مرة أخرى) من قبيل العزف الشاذ خارج الجوقة. وأختم تعليقاتي العشر بتكرار ما قلته في غير موضع، وهو أن صاحب هذه المبادرة هو الأقدر على ضمان إكتمال تألقها وأهميتها وفائدتها العظمى وذلك بمراقبته لتفاصيل تحويلها إلى واقع – بحيث يجنبها ما من شأنه أن يجهض بعضاً من روعتها.