تعليم عصـري … أو الطـوفان .


قمت خلال شهري يناير وفبراير الماضيين بإلقاء سلسلة من المحاضرات بعدد من جامعات الولايات المتحدة الأمريكية وكان جل جمهور هذه المحاضرات من أساتذة العلوم السياسية وأساتذة أقسام دراسات الشرق الأوسط وطلاب الدكتوراة والماجستير في المجالات المتعلقة بالشرق الأوسط بهذه الجامعات . وكانت المحاضرات التي قمت بإلقائها منقسمة إلى أربعة مواضيع رئيسية هي : أولاً : العقل العربي وعصر العولمة – ثانياً : التعليم كأداة رئيسية للنهضة في مصر – ثالثاً: الدور المصري في سيناريوهات مستقبل الشرق الأوسط – رابعاً: إمكانات مصر الإقتصادية بين الواقع والممكن . وتقوم حالياً واحدة من الجامعات التي زرتها في تلك الرحلة بوضع اللمسات النهائية على كتاب يتضمن محاضراتي في المواضيع الأربعة المشار إليها مع نص كامل للحوار الذي أعقب تلك المحاضرات.

ونظراً لما تضمنته الرحلةُ من تعاملاتٍ وحواراتٍ عديدةٍ مع مئاتِ الأساتذة وطلابِ الدراسات العليا بهذه الجامعات ( ونسبة كبيرة من هؤلاء الأساتذة والطلاب من دول العالم الثالث ) فقد تأكد لي أن وجهة النظرِ التي أتبناها بخصوص التعليم في مصر هي صحيحةُُ إلى ابعد الحدود. فقبل الحديث عن إصلاح التعليم بالمعني الدارج والذي يعني إصلاح الأبعاد الأربعة للتعليم (البرامج والمدرس والتلميذ و المدرسة) فان الأهمَ من كلِ ذلك هو صياغةُ الأهدافِ الاستراتيجيةِ للتعليم ( وهو أمرٌ ممكنٌ في صفحةٍ واحدةٍ) ثم الانتقال إلى وضع برامج تفصيلية تضمن ترجمة هذه الأهداف على مستوى البرامج التعليمية والمدرس والتلميذ والمدرسة. فخلال السنوات الثلاث الماضية تشكّلت في ذهني معادلةٌ تربط بين أهدافِ التعليم الاستراتيجية وإيجادِ مواطنٍ عصريّ يتحلى بالقدراتِ المطلوبةِ في ظلِ تحدياتِ العصر وأيضاً إمكانية وجود كادرٍ بشري من القياداتِ الإداريةِ التنفيذيةِ العصريةِ التي بدونها لا تحقق المجتمعاتُ الطفراتِ المنشودة، فالتقدمُ الاقتصادي الكبير والمتسم بالعدالةِ الاجتماعيةِ وخلق فرصِ عملٍ عديدةٍ جديدةٍ وإشاعةِ روحٍ إيجابيةٍ في المجتمع بوجهٍ عامٍ وفي الطبقةِ الوسطى وما دونها بوجهٍ خاص وتحقيق السلام الاجتماعي الذي يرافقه لحاقٌ بركبِ العصرِ والمدنيةِ (دون ضياع الهوية والخصوصيات الثقافية الإيجابية ) هي مهمة تحتاج لكادر بشري من المديرين التنفيذيين العصريين الأكفاء ولا تحتاج لأكاديميين أو اقتصاديين ( وإن كانت لا تستغنى عن خبراتهِم في مجالاتها) . وقد اتضح لي من كثافةِ التعاملاتِ والحواراتِ مع مئاتٍ من الأساتذة والطلاب في الجامعات العشر التي حاضرت بها أننا نضيّع الكثيرَ منٍ الجهدِ والوقتِ عندما نبذل مجهوداتٍ كبيرةٍ في إصلاح الأبعاد الأربعة للعمليةِ التعليميةِ قبل أن نضع ورقةً استراتيجيةً تقول بوضوحٍ ما هو الهدف من العملية التعليمية ثم نضع الخطوات الإدارية التنفيذية التي تكفل تحقيق هذه الأهداف.

وفي إعتقادي أن هناك مجموعةً أساسيةً من القيم هي احترام الوقت وتقديس العمل الجماعي (الفريق) وتوخي الجودة والإتقان والإيمان العميق بالإبداع وبأن الموارد البشرية هي أهم عوامل النجاح والتقدم وكذلك الإيمان بعالمية المعرفة وبمحاذاة ذلك قيمة احترام هويتنا (دون مغالاة شوفينية) ثم قيمة زرع الروح التنافسية مع قيمةِ احترامِ التعدديةِ وقبول الآخر بكل ما تعنيه وعلى كافة المستويات . هذه باختصار هي قيم العصر والتقدم التي يجب أن تعمل المؤسسة التعليمية من خلال البرامج والمدرس على زرِعها في عقولِ ونفوس وضمائر التلاميذ بجانبِ قدرٍ معقولٍ من المحصولِ المعرفي على مستوى العلومِ التطبيقيةِ والعلومِ الاجتماعيةِ والانسانياتِ.

وأُكرر أَن وضع هذه الأهداف بشكلٍ محددٍ لا يحتاج لأكثرِ من صفحةٍ واحدةٍ ثم تكون المهمةُ التالية هي وضع الإجراءات التنفيذية التي تكفل ان تكون المقررات الدراسية وبرامج تدريب المدرسيين في خدمة هذه القيم .

إن الهوةَ شاسعةٌ و سحيقةٌ بين تلاميذنا وتلاميذ وطلاب العالم المتقدم لا في الذكاء وانما في(القدرات المكتسبة) والتي هي عندهم ثمرة طبيعية لمؤسسات تعليمية تقوم على مجموعةِ القيم التي ذكرتها بينما يبقى التلميذُ والطالبُ لدينا أسيرَ جدرانٍ عاليةٍ لا قيمة لها من حشو الأذهان بالمعلومات والتلقين ناهيك عن مأساةٍ أخري هي كون التلميذ والطالب لدينا يبقى طوال سني الدراسة قبل الجامعية والجامعية في موضع المتلقي (المُستقبِل) بينما يبقى المدرسُ أو الأستاذُ في وضعِ المُرسلِ (الباث) وهو وضع يؤدي لتكريسِ السلبيةِ وتحجيمِ القدرةِ على الإبداعِ وكتم أنفاسِ الحرية الفكرية وفي أحسن الأحوال فانه مناخٌ عام قادر على تخريج (موظفين عموميين تقليديين ) في زمنٍ لم تعد فيه هناك حاجة للموظف العام التقليدي كما كانت علية الأمورُ في السابق – فمجتمعاتُ العصر في حاجةٍ لمواطنٍ خلاقٍ وتنافسي ومبدعٍ ويعمل في إطارِ فريقِ عملٍ ويطلب المعرفةَ والمزايا التنافسية من أي مصدرٍ (عالمية المعرفة) ويتوخى أن يكون قادراً على المنافسة.

ولا اعتقد أنني أُبالغ إذ أقول أَن وضع ورقةٍ استراتيجيةٍ لأهدافِ العمليةِ التعليميةِ لدينا ثم وضع برامج ترجمة هذه الأهداف لواقع حي على مستوى البرامج التعليمية والمدرس والتلميذ والمدرسة هي الضمانة الوحيدة ليس فقط لتخريج مواطنٍ عصري خلاق وفعال ومشارك وتنافسي وكحلٍ وحيدٍ لسلسلةٍ طويلةٍ من المشكلات قد تبدو للبعض غير ذات صلة بالموضوع وان كانت في الواقع لصيقة به إلى ابعد الحدود مثل ما يلي:

  • تكوين كادر إداري تنفيذي عصري يقود الحياة الاقتصادية في ظل عالمٍ جديدٍ يقوم على المنافسةِ سواء بقت العولمة في شكلها المتوحش الحالي أو تهذبت (كما يتوقع كاتب هذه السطور).
  • تكوين مواطن أكثر حماساً للمشاركة والمساهمة في الحياة السياسية والحياة العامة وتوسيع الهامش الديموقراطي.
  • تكوين مواطن يكون في سلامٍ مع نفسه ومع الآخر في مجتمعه ومع الآخر في المجتمعاتِ الأخرى عوضاً عن المواطن المستنفر الذي شاع في واقعنا والذي يمسك في يده بدون مبرر سيفَ جهاد لا طائل من ورائه بدلاً من أن يمسك في يده أدواتِ المنافسة العصرية والبناء والعمل والإنتاج والإبداع والتواصل العلمي والثقافي مع مسيرة الحضارة الإنسانية .
  • وأكثر ما يزعجني أن ينخرط كثيرون في واقعنا في الاهتمام بإصلاح التعليم دون ان تظهر في كتاباتهم أو أقوالهم أنهم يرون بوضوح الصلة الوثيقة بين (التعليم) و (الحياة الاقتصادية) ، رغم أن هذه الصلة واضحةُُ بجلاءٍ تامٍ في المجتمعاتِ التي سبقتنا على دربِ التقدمِ والازدهار والاستقرار. وما أريد توضيحه هو أننا لو تصورنا أن حياةَ الإنسانِ تتكون من ثلاثِ مراحلٍ زمنيةٍ (شبة متساوية المدد) فإن المرحلةَ الأولى تكون تحت مظلةِ التعليمِ والمرحلة الثانية تكون تحت مظلة الإدارةِ والمرحلة الثالثة تكون مرحلة التقاعد أو العمل الخاص. ولا شك أن المرحلةَ الأولى تسلم "الإنسان" (كمُنْتِجِ – بضم الميم وتسكين النون وكسر التاء وكسر الجيم بالتنوين) للمرحلة الثانية حيث يكون الإنسان هو أساس أي نشاطٍ عمليٍّ (اقتصادي أو حكومي) . ويعني هذا أن المرحلةَ الأولى تقوم بتشكيلِ الإنسانِ لحسابِ المرحلة الثانية. ويعني ذلك أن المرحلةَ الثانيةِ تتسلم الإنسانَ بعد أن يكون قد تم تشكيله وتكوينه خلال المرحلة الأولى بناءً على معطياتٍ كثيرةٍ ومكوناتٍ عديدةٍ وعديدٍ من المفرداتِ . وهكذا تتضح الصلةُ الوثيقةُ بين الإدارةِ (أي قياداتِ العملِ) وبين التعليم، فالإنسانُ الذي يصل لمؤسساتِ العمل خلال النصف الأول من العقد الثاني من عمره يكون مثل بناءٍ قد تشكل بكيفيةٍ معينةٍ خلال عددٍ كبيرٍ من السنواتِ السابقة. فإذا كان ذلك كذلك، فإن التعليمَ تكون له انعكاسات على الإنسان خلال حقبة العمل في حياته لا يمكن إنكارها أو التقليل من أهميتها.

    والرسالة هنا أن (التعليم) ما هو إلاِّ أهمُ أداةٍ من أدواتِ تكوينِ الإنسان لخوضِ غمار المراحلِ التاليةِ من عمرِه – وعليه فإن ما يغرز ( ويغرس) في الإنسان من قيمٍ ومهاراتٍ وإمكاناتٍ وقدراتٍ وتوجهاتٍ وطرقٍ للعملِ والتفكيرِ والابتكارِ والخلقِ والتعاونِ خلال المرحلة الأولى هو ما يترجم خلال المرحلة الثانية أما في شكلِ مواطنٍ إيجابيٍّ وخلاقٍ ومُنتجٍ ومُنافسٍ وبناءٍ وفي حالةِ تمثيلٍ واضحةٍ لدرجةِ التحضرِ والتمدنِ والتقدمِ العلمي والتعليمي والثقافي وإما نقيض كل ذلك بدرجاتٍ ونسبٍ مختلفةٍ .

    وهكذا يتضح، أن التعليمَ هو حجرُ الزاويةِ في صنعِ وتكوينِ الإنسان أي في صنعِ وتكوينِ مستقبلٍ أي شعبٍ أو مجتمعٍ.ولا شك أن هناك علاقة رئيسية بين (فلسفة الحياة والمجتمعات) في كل مرحلة من مراحل الزمان و(فلسفة التعليم) إبان تلك المرحلة. فإذا كان غرضُ المجتمعِ في مرحلةٍ معينةٍ يتمثل في تكوينِ موظفين عموميين يصلحون لمتطلباتِ ومواصفاتِ الوظيفةِ العامةِ (كما كان الشأن خلال النصف الأول من القرن العشرين) فإن التعليمَ يهدف لخدمةِ نفسِ الغرضِ. أما إذا كان المجتمعُ يتمحورُ حول العمل الاقتصادي بأشكالِه الحديثة والقائمة على المنافسة والجودة والإتقان وتعظيم القيمة المضافة للعمل (أي للإنسانِ) والتسويق بغير حدود – فإن التعليمَ يكون هو الحضانة التي تُكون إنساناً يصلح لتلك المعطيات والملامح الجديدة للحياة والتحديات المصاحبة لكل ذلك. ويعني ذلك أن "أغراض التعليم " تصبح هي " أغراض المجتمع": فإذا كان المجتمعُ يسعى لتعظيم مزاياه وقدراته وإمكاناته في مجالاتٍ محددةٍ ، فإن التعليمَ هو الأداةُ الأولى لخدمةِ هذا الغرض أو هذه الأغراض .

    وهكذا ، فإننا نجد أن مجموعةَ القيمِ الأساسيةِ المطلوبةِ لوجودِ قياداتٍ إداريةٍ تنفيذيةٍ عصريةٍ خلاقةٍ وفعالةٍ في المجتمعاتِ الأكثر تقدماً هي نفس مجموعة القيم الأساسية التي تشكل فلسفة التعليم بل والتوجهات الإعلامية والثقافية والفكرية والاجتماعية للمجتمع. وهذه القيم الأساسية في المجتمعات الأكثر تقدماً لا تخرج (كما سبق وذكرت) عن كونها مجموعة لا تزيد عن عشر قيم من أهمها قيمة الوقت وقيمة الجودة وقيمة الإتقان وقيمة العمل الجماعي وقيمة المنافسة وقيمة الإيمان الواسع والعميق بالقدرات التي لا حد لها للإنسان (الموارد البشرية) وقيمة الإيمان بعالمية العلم والمعرفة وعلوم الإدارة الحديثة وعلوم الموارد البشرية وعلوم التسويق. فهذه المجموعة من القيم الأساسية هي التي توجد نظام تعليمي عصري وخلاقّ وفعّال وإيجابي وهي أيضاً نفسها التي تخلق مواطناً عصرياً إيجابياً وفاعلاً ومشاركاً في نفسٍ الوقتٍ وهي أيضاً التي تخلق حياة إقتصادية ( إنتاجية وخدمية) بل وحياة عامة ومجتمع تتسم كلُها بنفسِ الصفاتِ.

    ويجعلنا هذا نتسأل: هل تعمل برامجنا التعليمية بوضوحٍ وجلاءٍ تامٍ على خدمةِ هذه الأغراض أم أنها لازالت تخدم أهدافاً كانت في الماضي هي أهداف المجتمعات ولكنها لم تعد اليوم كذلك (على الأقل في المجتمعات الأكثر تقدماً) ؟ إِن نظرةً متأنيةً لبرامجنا التعليمية سواء قبل الجامعية أو الجامعية أو خلال مراحل الدراسات العليا تظهرُ بجلاءٍ ظاهرتين أو سمتين واضحتين لبرامجنا التعليمية:

  • فمن جهةٍ أولى فإن هذه البرامج لا تخدم بشكلٍ واضح مجموعة القيم الأساسية التي ذكرت آنفاً أنها أساس التعليم أو التقدم الاقتصادي والتقدم المجتمعي في العصر الحالي وفي المجتمعات الأكثر تقدماً.
  • ومن جهةٍ ثانية فإن برامجنا التعليمية (وهي تنأى بنفسها عن خدمة هذه القيم الأساسية) تتسم بطابع أُسميه (التعليم الكمي) أي التعليم الذي يظن واضعوا فلسفته أن حجم المعلومات وتكديس المعارف وازدحام البرامج التعليمية بعشراتِ المقرراتِ والمواد هو أداةٌ ناجحةٌ لتعليمٍ عصريٍّ ناجحٍ - والحقيقةُ عكس ذلك تماماً.
  • فمن المؤكد أن البرامج التعليمية الحالية على كثرة إحتشادها بالموادِ والمقرراتِ واتسامها بالتخمةِ الكميةِ لا تفرز لنا في النهايةِ المواطن المنشود سياسياً واقتصادياً وتنافسياً وثقافياً. ومن المؤكد أنها تفرز لنا مواطن متسم بالسلبية السياسية وبضعف القدرات اللازمة للعمل العصري في معظم مجالاتِ الإنتاج والخدماتِ ناهيك عن إفرازها لمواطنٍ أقل ليبرالية وأقرب لروح التزمت من روحِ قبولِ أقوى ملامح الحياة الإنسانية المعاصرة وأَعني الاختلاف والتعددية .

    وقد يعتقد البعضُ أن هناك أدوات عديدة لاصلاح الواقع والمستقبل مثل الأدوات الاقتصادية والإعلامية والسياسية – وأَنا أُوافقُ على جدوى كل هذه الأدوات ولكنني أبقيها تحت مسمى (الأدوات الثانية) حيث يبقى التعليم بمثابة ( الأداة الأولى) لإصلاح الواقع والمستقبل من خلال قدرته على إنتاجِ مواطنٍ يتحلى بصفاتٍ وقدراتٍ تؤهله لتحقيق الغاية المرجوة للمجتمع وهي غاية ذات طبيعة خاصة تتمثل في الإزدهار والاستقرار.

    وإذا كان من الممكن وضع إستراتيجية بأهداف التعليم كما نريده لمستقبل أفضل في زمن قصير للغاية فإن المراحل التالية والتي تتمثل في جعل عناصر العملية التعليمية (البرامج التعليمية والمدرس والتلميذ والمدرسة كبناء وإمكانيات) تترجم وتجسد وتشخص هذه الأهداف الإستراتيجية الجديدة والتي تكلمنا عنها في هذا المقال لا يمكن أن تكون بنفس السهولة فهي من جهة تطلب موارد مالية ضخمة للغاية ومن جهة أخرى فإنها تستلزم عملية بالغة الصعوبة وهي إعادة تأهيل وتوجيه جيش من المعلمين يبلغ في واقعنا قرابة المليون مدرس وزرع أساليب تلك القيم المستهدفة في عقولهم وضمائرهم وأساليب عملهم – وواضح أن ذلك أمر يحتاج لخطة مفصلة تقتضي التدرج كما تحتاج لعدد من السنوات قبل إكتمالها – ومن هنا تبرز القيمة العظمى للفكرة التي طرحت حديثاً واعني فكرة مراكز التعليم المتميز التي هي في النهاية ترجمة عملية للقول المأثور أن ما لا يدرك كله لا يترك كله – فإذا كنا لن نستطيع تنفيذ برنامج إصلاحي عصري ومتكامل لكل المدارس وكل التلاميذ وكل المدرسين فليكن الحل هو ما يعرف في علوم الإدارة الحديثة بالمشروعات النموذجية Pilot Projects حيث نقدم نماذج مثلى لمراكز تعليم عصرية وفعالة وخلاقة تقوم على قيم العصر والتقدم والإبداع ويساهم في تمويلها القادرون دون أن تكون للقادرين فقط وإنما للقادرين الذين يساهمون مادياً في تكاليف هذه المراكز المتميزة مساهمة تكفل فرصاً متساوية للمتميزين غير القادرين ودون أن تكون للتلاميذ المساهمين في تمويل هذه المشروعات أو لأولياء أمورهم أي تدخلات أو سلطات في وضـع البرامج التعليمية أو إدارة هذه المنشآت التعليمية التي سماها البعض مؤخراً مراكز التعليم المتميز – إذ أن تدخل رأس المال في وضع سياسات التعليم أو إدارة المؤسسات التعليمية هو الشر الأعظم الكفيل بالوصول بالتعليم لأحط المستويات – ولهذا الحديث بقية طويلة قادمة.
    (الوفد 19/5/2001) .